كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


أفتى الحافظ ابن حجر بأن الميت إنما يسأل قاعداً وأن الروح إنما تلبس الجثة حال السؤال في النصف الأعلى فقط وبأن روح المؤمن بعد السؤال في عليين وروح الكافر في سجين ولكل روح اتصال ببدنها وهو اتصال معنوي لا يشبه الاتصال في حال الحياة بل أشبه شيء به حال النائم ويشبهه بعضهم بشعاع الشمس بالنسبة إليها وبه جمع ما افترق من الأخبار أن محل الأرواح في عليين وفي سجين ومن كون الأرواح عند أفنية قبورها كما نقله ابن عبد البر عن الجمهور وبأن الميت يسمع التلقين لوجود الاتصال المذكور ولا يقاس على حال الحي إذا كان بقعر بئر مردوم مثلاً فإنه لا يسمع كلام من هو على البئر‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن عباس‏)‏ رضي اللّه عنه قال الهيثمي رجاله ثقات‏.‏

‏[‏ص 399‏]‏ 2136 - ‏(‏إن الناس‏)‏ المطيقين لإزالة الظلم مع سلامة العافية ‏(‏إذا رأوا الظالم‏)‏ أي علموا بظلمه ‏(‏فلم يأخذوا على يديه‏)‏ أي لم يمنعوه من الظلم بفعل أو قول‏.‏ قال ابن جرير‏:‏ وخص الأيدي لأن أكثر الظلم بها كقتل وجرح وغصب ‏(‏أوشك‏)‏ بفتح الهمزة والشين أي قارب أو أسرع ‏(‏أن يعمهم اللّه بعقاب منه‏)‏ إما في الدنيا أو الأخرى أو فيهما لتضييع فرض اللّه بغير عذر وزاد قوله منه زيادة في التهويل والزجر والتحذير وقد أفاد بالخبر أن من الذنوب ما يعجل اللّه عقوبته في الدنيا ومنه ما يمهله إلى الآخرة والسكوت على المنكر يتعجل عقوبته في الدنيا بنقص الأموال والأنفس والثمرات وركوب الذل من المظلمة للخلق وقد تبين بهذا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية لا عين، إذ القصد إيجاد مصلحة أو دفع مفسدة لا تكليف فرد فرد فإذا أطبقوا على تركه استحقوا عموم العقاب لهم وقد يعرض ما يصيره فرض عين وأما قوله تعالى ‏{‏عليكم أنفسكم‏}‏ فمعناه إذا فعلتم ما كلفتم به لا يضركم تقصير غيركم -أي ومما كلف به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإذا فعله ولم يمتثل المخاطب فلا عتب بعد ذلك على الفاعل لكونه أدى ما عليه فإنما عليه الأمر والنهي- وفيه تحذير عظيم لمن سكت عن النهي فكيف بمن داهن فكيف بمن رضى فكيف بمن أعان‏؟‏ نسأل اللّه السلامة‏.‏ أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف أوحى اللّه إلى يوشع عليه السلام إني مهلك من قومك أربعين ألفاً من خيارهم وستين ألفاً من شرارهم فقال يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار قال إنهم لم يغضبوا لغضبي وكانوا يؤاكلونهم ويشاركونهم، واعلم أنه قد يقوم كثرة رؤية المنكر مقام الارتكاب فيسلب القلوب نور التمييز والإنكار لأن المنكرات إذا كثر ورودها على القلب وتكرر في العين شهودها ذهبت عظمتها من القلوب شيئاً فشيئاً إلى أن يراها الإنسان فلا يخطر بباله أنها منكر ولا يمر بفكره أنها معاصي لتألف القلوب بها- ‏(‏د ت ه‏)‏ كلهم في الفتن ‏(‏عن أبي بكر‏)‏ الصديق قال أبو بكر يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية ‏{‏يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم‏}‏ الآية وإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول إن الناس إلخ قال النووي رضي اللّه عنه في الأذكار والرياض أسانيده صحيحة رواه عنه أيضاً النسائي في التفسير واللفظ لأبي داود‏.‏

2137 - ‏(‏إن الناس دخلوا في دين اللّه‏)‏ أي طاعته التي يستحقون بها الجزاء ‏(‏أفواجاً‏)‏ جمع فوج وهو الجماعة من الناس وقيل زمراً أمة بعد أمة وقيل قبائل ‏(‏وسيخرجون منه أفواجاً‏)‏ كما دخلوا فيه كذلك وهذا من جنس الخبر المار إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء‏.‏

- ‏(‏حم‏)‏ من حديث شداد بن أبي عمار قال‏:‏ حدثني جار لجابر ‏(‏عن جابر‏)‏ قال‏:‏ قدمت من سفر فجاءني جابر ليسلم عليّ فجعلت أحدثه عن افتراق الناس وما أحدثوا فجعل يبكي ثم قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول فذكره قال الهيثمي وجار جابر لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح‏.‏

2138 - ‏(‏إن الناس لكم تبع -وأوله كما في الترمذي عت هارون قال كنا نأتي أبا سعيد فيقول مرحباً بوصية رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وآله وسلم‏:‏ إن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال إن الناس إلخ-‏)‏ أي تابعون فوضع المصدر موضعه مبالغة نحو رجل عدل ذكره الطيبي وقال المظهر‏:‏ لكم خطاب للصحب ‏(‏وإن رجالاً يأتونكم‏)‏ عطف على إن الناس ‏(‏من أقطار الأرض‏)‏ أي جوانبها ونواحيها جمع قطر بالضم وهو الجانب والناحية ‏(‏يتفقهون في الدين‏)‏ جملة استئنافية لبيان على الإتيان أو حال من الضمير المرفوع في يأتوكم ‏(‏فإذا أتوكم فاستوصوا بهم ‏[‏ص 400‏]‏ خيراً‏)‏ أي اقبلوا وصيتي فيهم يعني الناس يأتوكم من أقطار الأرض وجوانبها يطلبون العلم منكم بعدي لأنكم أخذتم أفعالي وأقوالي واتبعتموني فيها فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيراً وأمروهم بالخير وعظوهم وعلموهم علوم الدين‏.‏ والاستيصاء قبول الوصية وبمعنى التوصية أيضاً وتعدى بالباء‏.‏ قال البيضاوي‏:‏ وحقيقة استوصوا اطلبوا الوصية والنصيحة لهم من أنفسكم‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ هذا من باب التجريد أي ليجرد كل واحد منكم شخصاً من نفسه ويطلب منه الوصية في حق الطالبين ومراعاة أحوالهم والمراد حق على جميع الناس في مشارق الأرض ومغاربها متابعتكم وحق عليهم أن يأتوكم جميعاً ويأخذوا عنكم أمر دينهم فإذا لم يتمكنوا منه فعليهم أن يستنفروا رجالاً يأتوكم ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم فالتعريف في الناس لاستغراق الجنس والتنكير في رجالاً للنوع أي رجالاً صفت نياتهم وخلصت عقائدهم يضربون أكباد الإبل لطلب العلم وإرشاد الخلق وفي تصدير الجملة الشرطية بإذا التحقيقية تحقيق للوعد وإظهار للإخبار عن الغيب ولهذا قال العلائي‏:‏ ذا من معجزاته إذ هو إخبار عن غيب وقع وقد حفظ اللّه بذلك الدين وكان بعض الصحب إذا أتاه طالب قال مرحباً بوصية رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم ومنه أخذ أنه ينبغي أن يكون الطالب عنده أعز الناس عليه وأقرب من أهله إليه ولذلك كان علماء السلف يلقون شبك الإجتهاد لصيد طالب ينفع الناس في حياتهم وبعدهم وأن يتواضع مع طلبته ويرحب بهم عند إقبالهم عليه ويكرمهم ويؤنسهم بسؤاله عن أحوالهم ويعاملهم بطلاقة وجه وظهور بشر وحسن ود ويزيد في ذلك لمن يرجى فلاحه ويظهر صلاحه ومن ظهرت أهليته من ذوي البيوت ونحوهم-فائدة‏:‏ روى البيهقي في الشعب، والبخاري في التاريخ عن أيوب بن المتوكل قال‏:‏ كان الخليل بن أحمد إذا استفاد من أحد شيئا أراه أنه استفاد منه، وإذا افاد غنسانا شيئا لم يُرِهِ أنه أفاده، وثيت ايضا عن الشافعي، كان يقول‏:‏ وددت أن يؤخذ هذا العلم عني ولا ينسب إلي‏.‏

تنبيه‏:‏ هذه الحاشية موجودة في أصل الكتاب ‏(‏ص 400‏)‏، ولم يذكر هناك رقمها ضمن الشرح، فأبقينا الحاشية، وجعلنا رقمها‏(‏2‏)‏ في أنسب مكان وجدناه ملائما لهذه الفائدة ضمن شرح المناوي، والله أعلم بالصواب‏.‏ دار الحديث‏.‏

- ‏(‏ت ه عن أبي سعيد‏)‏ الخدري قال ابن القطان ضعيف فيه أبو هارون العبدي كذاب قال شعبة لأن أقدم فيضرب عنقي أحب إلي من أن أقول حدثنا أبو هارون العبدي وقال الذهبي تابعي ضعيف وقال مغلطاي‏:‏ ورد من طريق غير طريق الترمذي حسن بل صحيح انتهى وبذلك يعرف أن المصنف لم يصب في إيثاره هذا الطريق المعلول واقتصاره عليه‏.‏

2139 - ‏(‏إن الناس يجلسون من اللّه تعالى يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعات‏)‏ أي على حسب غدوهم إليها والرواح يكون بمعنى الغدو كما هنا وبمعنى الرجوع وقد طابق بينهما في آية ‏{‏غدوها شهر ورواحها شهر‏}‏ أي ذهابها ورجوعها ومن فهم أن الرواح لا يكون إلا في آخر النهار فقد وهم فالمبكرون إليها في أول الساعة أقربهم إلى اللّه تعالى ثم من يليهم على الترتيب المعروف وهذا حث عظيم على التبكير للجمعة ورد لقول من زعم عدم سن التبكير لها كمالك ونص على تفاوت مراتب الناس في الفضل بقدر أعمالهم ‏(‏الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع‏)‏ وهذا قال أبو زرعة فيه إن مراتب الناس في الفضيلة في الجمعة وغيرها بحسب أعمالهم وهو من بات قوله تعالى ‏{‏إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم‏}‏ وهو صريح في رد ذهاب مالك إلى أن تأخير الذهاب إلى الزوال أفضل وقد أنكر عليه غير واحد من الأئمة منهم أحمد بل وبعض أتباعه كابن حبيب‏.‏

- ‏(‏ه‏)‏ عن كثير عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن معمر عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة ‏(‏عن ابن مسعود‏)‏ قال علقمة خرجت مع ابن مسعود إلى الجمعة فوجد ثلاثة نفر سبقوه فقال رابع أربعة‏؟‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول فذكره وعبد المجيد هذا خرج له مسلم والأربعة لكن أورده الذهبي في ‏[‏ص 401‏]‏ الضعفاء وقال قال ابن حبان يستحق الترك وقال أبو داود داعية إلى الإرجاء ثقة‏.‏

2140 - ‏(‏إن الناس لا يرفعون شيئاً‏)‏ أي بغير حق أو فوق منزلته التي يستحقها ‏(‏إلا وضعه اللّه تعالى‏)‏ أي في الدنيا والآخرة هذا هو المتبادر من معنى الحديث مع قطع النظر عن ملاحظة سببه وهو أن ناقة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم العضباء أو القصوى كانت لا تسبق فجاء أعرابي على قعود فسبقها فشق ذلك على المسلمين فذكره فالملائم للسبب أن يقال في قوله لا يرفعون شيئاً أي من أمر الدنيا وبه جاء التصريح في رواية‏.‏

- ‏(‏هب عن سعيد بن المسيب‏)‏ بفتح التحتية على المشهور وقيل بكسرها المخزومي أحد الأعلام ‏(‏مرسلاً‏)‏ أرسل عن عمر وغيره وجلالته معروفة وإسناده صحيح‏.‏

2141 - ‏(‏إن الناس لم يعطوا‏)‏ بالبناء للمفعول ‏(‏شيئاً‏)‏ من الخصال الحميدة ‏(‏خيراً من خلق‏)‏ بالضم ‏(‏حسن‏)‏ فإن حسن الخلق يرفع صاحبه إلى درجات الأخيار في هذه الدار ودار القرار‏.‏ قال حجة الإسلام‏:‏ لا سبيل إلى السعادة الأخروية إلا بالإيمان وحسن الخلق فليس للإنسان إلا ما سعى وليس لأحد في الآخرة إلا ما تزود من الدنيا وأفضل زادها بعد الإيمان حسن الخلق وبحسن الخلق ينال الإنسان خير الدنيا والآخرة‏.‏ وقال بعض الحكماء‏:‏ لحسن الخلق من نفسه في راحة والناس منه في سلامة ولسيء الخلق من نفسه في عناء والناس منه في بلاء‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ عاشر أهلك بحسن الأخلاق فإن السوء فيهم قليل وإذا حسنت أخلاق المرء كثر مصادقوه وقل معادوه فتسهلت عليه الأمور الصعاب ولانت له القلوب الغضاب وقال الحكماء في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق قال الماوردي وحسن الخلق أن يكون سهل العريكة لين الجانب طلق الوجه قليل النفور طيب الكلام‏.‏

- ‏(‏طب عن أسامة بن شريك‏)‏ الثعلبي بالمثلثة والمهملة الذبياني الصحابي قال ابن حجر تفرد بالرواية عنه زياد بن علاقة على الصحيح‏.‏

2142 - ‏(‏إن النبي‏)‏ صلى اللّه عليه وسلم أل عهدية أو جنسية أراد به هنا الرسول بقرينة قوله ‏(‏لا يموت حتى يؤمه بعض أمته‏)‏ والنبي غير الرسول لا أمة له والمراد لا يموت حتى يصلي به بعض أمته إماماً وقد أم بالمصطفى صلى اللّه عليه وسلم أبو بكر الصديق بل وعبد الرحمن بن عوف في تبوك في الصبح‏.‏

- ‏(‏حم ع عن أبي بكر‏)‏ الصديق‏.‏

2143 - ‏(‏إن النذر‏)‏- بمعجمة وهو كما قال الراغب إيجاب ما ليس بواجب لحدوث أمر ‏(‏لا يقرب‏)‏ بالتشديد أي يدني ‏(‏من ابن آدم‏)‏ وفي رواية البخاري لا يقدم ‏(‏شيئاً لم يكن اللّه تعالى قدره له‏)‏ هذا إشارة إلى تعليل النهي عن النذر ‏(‏ولكن النذر يوافق القدر‏)‏ أي قد يصادف ما قدره اللّه في الأزل ‏(‏فيخرج ذلك من‏)‏ مال ‏(‏البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج‏)‏ قال البيضاوي‏:‏ عادة الناس النذر على تحصيل نفع أو دفع ضر فنهى عنه لأنه فعل البخلاء إذ السخي إذا أراد التقرب بادر والبخيل لا تطاوعه نفسه بإخراج شيء من يده إلا بعوض فيلتزمه في مقابلة ما سيحصل له فيعلقه على جلب نفع أو دفع ضر فلا يعطي إلا إذا لزمه النذر والنذر لا يغني من ذلك شيئاً فلا يسوق له قدراً لم يكن مقدوراً ولا يرد شيئاً من القدر‏.‏

- ‏(‏م ه‏)‏ في الأيمان والنذور ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ وخرجه ‏[‏ص 402‏]‏ البخاري بمعناه‏.‏

2144 - ‏(‏إن النذر‏)‏ قال الحرالي‏:‏ وهو إبرام العدة بخير مستقبل فعله أو يرتقب له ما يلتزم به وهو أدنى الإنفاق سيما إذا كان على وجه الإشتراط ‏(‏لا يقدم شيئاً ولا يؤخر-وقال النووي إنه منهي عنه قال المتولي إنه قربة وهو قضية قول الرافعي إنه قربة فلا يصح من الكافر وقول النووي النذر عمداً في الصلاة‏:‏ لا يبطلها لأنه مناجاة للّه كالدعاء وأجيب عن النهي بحمله على ما ظنّ أنه لا يلتزم بما التزمه وقال ابن الرفعة هو قربة في البر-‏)‏ شيئاً من المقدور ‏(‏وإنما يستخرج به من البخيل‏)‏ بل مثاله في موافقة القدر الدعاء فإن الدعاء لا يرد القضاء لكن منه القدر لكن الدعاء منذور والنذر مندوب- ‏(‏حم ك‏)‏ في النذر ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي‏.‏

2145 - ‏(‏إن النهبة‏)‏ كفرقة اسم للمنهوب من الغنيمة أو غيرها لكن المراد هنا الغنيمة ‏(‏لا تحل‏)‏ لأن الناهب إنما يأخذ على قدر قوته لا على قدر استحقاقه فيؤدي إلى أن يأخذ بعضهم فوق حظه ويبخس بعضهم حظه وإنما لهم سهام معلومة للفرس سهمان وللراجل سهم فإذا انتهبوا الغتيمة بطلت الغنيمة وفاتت التسوية واستثنى من ذم النهبة انتهاب النثار في العرس لخبر فيههو ما رواه البيهقي عن جابر رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم حضر في إملاك - أي نكاح - فأتى بأطباق عليها جوز ولوز وتمر فنثرت فقبضنا أيدينا فقال ما لكم لا تأكلون فقالوا إنك نهيت عن النهبى فقال إنما نهيتكم عن نهبى العساكر فخذوا على اسم اللّه قال فجاذبنا وجاذبناه- ‏(‏ه حب ك عن ثعلبة‏)‏ بفتح المثلثة بلفظ الحيوان المشهور ‏(‏بن الحكم‏)‏ الليثي صحابي شهد حنيناً ونزل الكوفة قال أصبنا غنماً للعدو فانتهبناها فنصبنا قدورنا فأمر النبي صلى اللّه عليه وسلم بالقدور فأكفئت ثم ذكره ورواه الطبراني بلفظه عن ابن عباس قال الهيثمي ورجاله ثقات‏.‏

2146 - ‏(‏إن النهبة‏)‏ من القيامة ومثلها غيرها من كل حق للغير إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ‏(‏ليست بأحل من الميتة‏)‏ أي ما يأخذه فوق حقه باختطافه من حق أخيه الضعيف عن مقاومته حرام كالميتة فليس بأحل منها أي أقل إثماً منها في الأكل بل هما سيان ولو وجد مضطر ميتة وطعام غيره قدم الميتة‏.‏

- ‏(‏د عن رجل‏)‏ من الأنصار وسبق أن جهالة الصحابي لا تضر لأنهم عدول‏.‏

2147 - ‏(‏إن الهجرة‏)‏ أي النقلة من دار الكفر إلى دار الإسلام ‏(‏لا تنقطع‏)‏ أي لا ينتهي حكمها ‏(‏ما دام الجهاد‏)‏ باقياً كذا هو بخط المصنف ما دام والذي وقفت عليه بخط الحافظ ابن حجر في افصابة معزواً لأحمد ما كان ولعله الصواب فيكره الإقامة بدار الكفر إلا لمصلحة دينية‏.‏

- ‏(‏حم‏)‏ من طريق يزيد عن أبي الخير عن حذيفة البارقي ‏(‏عن جنادة‏)‏ بضم الجيم وخفة النون بضبط المصنف كغيره وهو ابن أبي أمية الأزدي قال جنادة إن رجالاً من الصحابة قال بعضهم إن الهجرة قد انقطعت فاختلفوا في ذلك فانطلقت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال إن الهجرة إلخ قال في الكاشف‏:‏ جنادة مختلف في صحبته وفي الإصابة بعد ما ساق له هذا الحديث وحديث آخر والخبران صحيحان دالان على صحة صحبته اهـ وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح‏.‏

2148 - ‏(‏إن الهدى الصالح‏)‏ بفتح الهاء وقد تكسر وسكون الدال الطريقة الصالحة قال الخطابي‏:‏ وهدى الرجل حاله ‏[‏ص 403‏]‏ وسيرته ‏(‏والسمت الصالح‏)‏ الطريق المنقاد ‏(‏والاقتصاد‏)‏ أي سلوك القصد في الأمور والدخول فيها برفق وعلى سبيل تمكن إدامته ‏(‏جزء من خمسة وعشرين جزءاً‏)‏ وفي رواية أكثر وفي أخرى أقل وسيجيء ‏(‏من النبوة‏)‏ أي هذه الخصال منحها اللّه أنبيائه فهي من شمائلهم وفضائلهم فاقتدوا بهم فيها لا أن النبوة تتجزأ ولا أن جامعها يكون نبياً إذ النبوة غير مكتسبة -أي بالأسباب وإنما هي كرامة من اللّه تعالى لمن أراد إكرامه بها من عباده وقد خنمت بمحمد صلى اللّه عليه وسلم وانقطعت بعده ويحتمل وجهاً آخر وهو أن من اجتمعت له هذه الخصال لقيه الناس بالتعظيم والتوقير وألبسه اللّه تعالى لباس التقوى الذي يلبسه أنبياءه فكأنها جزء من النبوة- وتأنيث خمس على معنى الخصال‏.‏

- ‏(‏حم د عن ابن عباس‏)‏ قال في المنار‏:‏ فيه قابوس بن ظبيان ضعيف محدود في القربة وفي المهذب فيه قابوس ضعيف‏.‏

2149 - ‏(‏إن الود‏)‏ أي المودّة يعني المحبة ‏(‏يورث والعداوة تورث‏)‏ أي يرثها الأبناء عن الآباء وهكذا ويستمر ذلك في السلالة جيلاً بعد جيل وقرناً بعد قرن وهذا شيء كالمحسوس وإطلاق الإرث على غير المال ونحوه من التركة التي يخلفها المورث مجاز كما يفيده قول الزمخشري‏:‏ من المجاز أورثه كثرة الأكل التخم والأدواء وأورثته الحمى ضعفاً وهو في إرث مجد والمجد متوارث بينهم‏.‏

- ‏(‏طب عن عفير‏)‏ بالتصغير رجل من العرب كان يغشى أبا بكر فقال له أبو بكر ما سمعت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الودّ فذكره ورواه عنه أيضاً الحاكم باللفظ المزبور وصححه فتعقبه الذهبي بأن فيه يوسف بن عطية هالك‏.‏

2150 - ‏(‏إن الولد مبخلة مجبنة‏)‏ بفتح الميم فيهما مفعلة أي يحمل أبويه على البخل ويدعوهما إليه حتى يبخلا بالمال لأجله ويتركا الجهاد بسببه‏.‏ قال الماوردي‏:‏ أخبر بهذا الحديث أن الحذر على الولد يكسب هذه الأوصاف ويحدث هذه الأخلاق وقد كره قوم طلب الولد كراهة لهذه الحالة التي لا يقدر عليها دفعها من نفسه للزومها طبعاً وحدوثها حتماً‏.‏ قيل ليحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام ما لك تكره الولد قال‏:‏ ما لي وللولد إن عاش كدني وإن مات هدني‏.‏

- ‏(‏ه عن يعلى‏)‏ بفتح التحتية وسكون المهملة وفتح اللام ‏(‏ابن مرة‏)‏ بضم الميم وشد الراء ابن وهب بن جابر الثقفي ويقال العامري قال جاء الحسن والحسين يسعيان إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فضمهما وذكره قال الحافظ العراقي إسناده صحيح‏.‏

2151 - ‏(‏إن الولد مبخلة‏)‏ بالمال عن إنفاقه في وجوه القرب ‏(‏مجبنة‏)‏ عن الهجرة والجهاد ‏(‏مجهلة‏)‏ لكونه يحمل على ترك الرحلة في طلب العلم والجد في تحصيله لاهتمامه بتحصيل المال له ‏(‏محزنة‏)‏ يحمل أبويه على كثرة الحزن لكونه إن مرض حزنا وإن طلب شيئاً لا قدرة لهما عليه حزنا فأكثر ما يفوت أبويه من الفلاح والصلاح بسببه فإن شب وعق فذلك الحزن الدائم والهم السرمدي اللازم‏.‏

- ‏(‏ك‏)‏ في الفضائل ‏(‏عن الأسود بن خلف‏)‏ ابن عبد يغوث القرشي من مسلمة الفتح قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الحافظ العراقي إسناده صحيح ‏(‏طب عن خولة‏)‏ بفتح المعجمة ويقال لها أيضاً خويلة بالتصغير ‏(‏بنت حكيم‏)‏ ابن أمية السلمية يقال لها أم شريك صحابية مشهورة يقال لها الواهبة نفسها وقيل بل غيرها قالت أخذ النبي صلى اللّه عليه وسلم حسناً فقبله ثم ذكره قال الذهبي إسناده قوي‏.‏

‏[‏ص 404‏]‏ 2152 - ‏(‏إن اليدين يسجدان كما يسجد الوجه‏)‏ أي تخضع وتذل كما يخضع ويذل الوجه ‏(‏فإذا وضع أحدكم وجهه‏)‏ يعني جبهته على الأرض في السجود ‏(‏فليضع يديه‏)‏ على الأرض في سجوده ‏(‏فإذا رفعه فليرفعهما‏)‏ فوضع اليدين واجب في السجود وهو الأصح عند الشافعية وأراد باليدين بطون الراحتين والأصابع ويجب أيضاً وضع الركبتين وأطراف القدمين كما مر‏.‏

- ‏(‏د ن ك‏)‏ في الصلاة ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي‏.‏

2153 - ‏(‏إن اليهود‏)‏ جمع يهودي كروم ورومي أصله اليهوديين حذفت ياء النسبة ‏(‏والنصارى‏)‏ جمع نصراني بفتح النون قال الملوي‏:‏ اليهودي أصله من آمن بموسى عليه الصلاة والسلام والتزم أحكام التوراة، والنصراني من آمن بعيسى عليه الصلاة والسلام والتزم أحكام الإنجيل ثم صار اليهودي من كفر بما أنزل بعد موسى عليه الصلاة والسلام والنصارى من كفر بما أنزل بعد عيسى عليه الصلاة والسلام ‏(‏لا يصبغون‏)‏ لحاهم وشعورهم وهو بضم الباء وفتحها لغتان ‏(‏فخالفوهم‏)‏ بأن تصبغوها ندباً وقيل وجوباً بنحو حناء أو غيره مما لا سواد فيه، ولا يعارضه النهي عن تغيير الشيب لأن الأمر بالتغيير لمن كان شيبه نقياً كأبي قحافة والد الصديق والنهي لمن شمط فقط وكان شعره بشعاً وعليه نزل اختلاف السلف وفيه ندب خضب الشيب للرجل والمرأة لكن بحمرة أو صفرة لا بسواد فيحرم إلا للجهاد‏.‏

- ‏(‏ق‏)‏ في اللباس ‏(‏د‏)‏ في الترجل ‏(‏ت‏)‏ في الزينة ‏(‏ه‏)‏ في اللباس ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ وفي الباب غيره أيضاً‏.‏

2154 - ‏(‏إن آدم قبل أن يصيب الذنب‏)‏ وهو أكله من الشجرة التي نهى عن قربها بقوله تعالى ‏{‏ولا تقربا هذه الشجرة‏}‏ ‏(‏كان أجله‏)‏ أي كان دنو أجله واستحضاره للموت ‏(‏بين عينيه‏)‏ وكان الموت نصب عينيه ‏(‏وأمله خلفه‏)‏ أي لا يشاهده ولا يستحضره ‏(‏فلما أصاب الذنب جعل اللّه تعالى أمله بين عينيه وأجله خلفه فلا يزال يؤمل حتى يموت‏)‏ وهكذا حال بنيه، وطول الأمل موقع في الزلل‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في التاريخ ‏(‏عن الحسن‏)‏ البصري ‏(‏مرسلاً‏)‏ وإسناده ضعيف‏.‏

2155 - ‏(‏إن آدم خلق‏)‏ بالبناء للمفعول أي خلقه اللّه ‏(‏من ثلاث تربات‏)‏ بضم فسكون جمع تربة ‏(‏سوداء وبيضاء وحمراء‏)‏ فمن ثم جاء بنوه كذلك فيهم الأسود والأحمر والأبيض يتبع كل منهم الطينة التي خلق منها‏.‏

- ‏(‏ابن سعد‏)‏ في الطبقات ‏(‏عن أبي ذر‏)‏ الغفاري‏.‏

2156 - ‏(‏إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل عليّ‏)‏ أي يدعو لي بلفظ الصلاة مع السلام وقد جاء البخيل ليس من يبخل بماله ولكن من بخل بمال غيره فهو كمن أبغض الجود حتى لا يحب أن يجاد عليه فمن لم يصل على النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا ذكر عنده منع نفسه أن يكتال بالمكيال الأوفى، فهل تجد أحداً أبخل من هذا‏؟‏‏.‏

- ‏(‏الحارث‏)‏ بن أبي أسامة ‏[‏ص 405‏]‏ وكذا الديلمي ‏(‏عن عوف بن مالك‏)‏ وفيه رجل مجهول وآخر مضعف رواه ابن عساكر عن أبي ذر بسند ضعيف أيضاً‏.‏

2157 - ‏(‏إن أبخل الناس من بخل بالسلام‏)‏ ابتداءاً أو جواباً لأنه لفظ قليل لا كلفة فيه وأجر جزيل فمن بخل به مع عدم كلفة فهو أبخل الناس ومن ثم قيل‏:‏

إذا ما بخلت برد السلام * فأنت ببذل الندا أبخل

‏(‏وأعجز الناس من عجز عن الدعاء‏)‏ أي الطلب من اللّه تعالى حيث سمع قول ربه في كتابه ‏{‏ادعوني‏}‏ فلم يدعه مع حاجته وفاقته وعدم المشقة عليه فيه واللّه سبحانه وتعالى لا يخيب من سأله واعتمد عليه فمن ترك طلب حاجاته من اللّه تعالى مع ذلك فهو أعجز العاجزين‏.‏

- ‏(‏ع‏)‏ وكذا ابن حبان والإسماعيلي والبيهقي في الشعب كلهم ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ موقوفاً وفيه إسماعيل بن زكريا أورده الذهبي في الضعفاء قال مختلف فيه وهو شيعي غال‏.‏

2158 - ‏(‏إن أبر‏)‏ وفي رواية من أبر ‏(‏البر‏)‏ أي الإحسان جعل البر باراً ببناء أفعل التفضيل منه وإضافته إليه مجازاً والمراد منه أفضل البر فأفعل التفضيل للزيادة المطلقة قال الأكمل‏:‏ أبر البر من قبيل جل جلاله وجد جده بجعل الجد جاداً وإسناد الفعل إليه ‏(‏أن يصل الرجل أهل ودّ أبيه‏)‏ بضم الواو بمعنى المودة ‏(‏بعد أن يولي الأب‏)‏ بكسر اللام المشددة أي يدبر بموت أو سفر قال التوربشتي‏:‏ وهذه الكلمة مما تخبط الناس فيها والذي أعرفه أن الفعل مسند إلى أبيه أي بعد أن يموت أو يغيب أبوه من ولى يولي، قال الطيبي‏:‏ وفي جامع الأصول والمشارق‏:‏ يولي بضم الياء وفتح الواو وكسر اللام المشددة والمعنى أن من جملة المبرات الفضلى مبرة الرجل أحباء أبيه فإن مودة الآباء قرابة الأبناء أي إذا غاب أبوه أو مات يحفظ أهل وده ويحسن إليهم فإنه من تمام الإحسان إلى الأب قال الحافظ العراقي رحمه اللّه‏:‏ جعله أبر البر أو من أبره لأن الوفاء بحقوق الوالدين والأصحاب بعد موتهم أبلغ لأن الحي يجامل والميت لا يستحي منه ولا يجامل إلا بحسن العهد ويحتمل أن أصدقاء الأب كانوا مكيفين في حياته بإحسانه وانقطع بموته فأمر بنيه أن يقوموا مقامه فيه وإنما كان هذا أبر البر لاقتضائه الترحم والثناء على أبيه فيصل لروحه راحة بعد زوال المشاهدة المستوجبة للحياة وذلك أشد من بره له في حياته وكذا بعد غيبته فإنه إذا لم يظهر له شيء يوجب ترك المودة فكأنه حاضر فيبقى وده كما كان وكذا بعد المعاداة رجاء عود المودة وزوال الوحشة وإطلاق التولية على جميع هذه الأشياء إما حقيقة فيكون من عموم المشترك أو من التواطىء أو بعضها فيكون من الجمع بين الحقيقة والمجاز ونبه بالأب على بقية الأصول وقياس تقديم الشارع الأم في البر كون وصل أهل ودّها أقدم وأهم ومن البين أن الكلام في أصل مسلم أما غيره فيظهر أنه أجنبي من هذا المقام نعم إن كان حياً ورجا ببر أصدقائه تألفه للإسلام تأكد وصله وفي معنى الأصول الزوجة فقد كان المصطفى صلى اللّه عليه وسلم يصل صويحبات خديجة بعد موتها قائلاً حسن العهد من الإيمان وألحق بعضهم بالأب الشيخ ونحوه‏.‏

- ‏(‏حم خد م د ت عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب مر به أعرابي وهو راكب على حمار فقال ألست ابن فلان قال بلى فأعطاه حماره وعمامته فقيل له فيه فقال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول فذكره وفي رواية لمسلم أنه أعطاه حماراً كان يركبه وعمامة كانت على رأسه فقالوا له أصلحك اللّه إنه من الأعراب وإنهم يرضون باليسير فقال إن أبا هذا كان وداً لعمر وإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول فذكره وفي رواية لأبي داود عن أبي أسيد بينما نحن جلوس عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال يا رسول اللّه هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما قال نعم الصلاة عليها والاستغفار لهما وانفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما‏.‏

‏[‏ص 406‏]‏ 2159 - ‏(‏إن إبراهيم‏)‏ الخليل عليه الصلاة والسلام ‏(‏حرم بيت اللّه‏)‏ الكعبة وما حولها من الحرم كما بينه رواية مسلم بدله حرم مكة ‏(‏وأمّنه‏)‏ بالتشديد أي صيره مأمناً يعني حرمها بإذن اللّه أي أظهر حرمتها بأمره فإسناد التحريم إليه من حيث التبليغ والإظهار لا من حيث الإيجاد فإن اللّه تعالى حرمها قبل ذلك كما يصرح به خبر الشيخين أو أنه دعى اللّه تعالى فحرمها بدعوته ولا ينافيه خبر إن اللّه حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض لأنها كانت محرمة يومئذ فلما رفع البيت المعمور من الطوفان اندرست حرمتها ونسيت معاهدتها فأظهر اللّه إحياءها على يد إبراهيم عليه الصلاة والسلام وبدعوته-وحرم مكة من طريق المدينة على ثلاثة أميال ومن طريق العراق والطائف على سبعة ومن طريق الحعرانة على تسعة ومن طريق جدة على عشرة كما قال‏:‏

وللحرم التحديد من أرض طيبة * ثلاثة أميال إذا رمت اتقانه

وسبعة أميال عراق وطائف * وجدة عشر ثم تسع جعرانة

وزاد الدميري‏:‏

ومن يمن سبع وكرز لها اهتدى * فلم يعد سبل الجل إذ جاء تبيانه-

‏(‏وإني حرمت المدينة‏)‏ فعيلة من مدن بالمكان أقام والمراد البلدة النبوية كما سبق ‏(‏ما بين لابتيها‏)‏ تثنية لابة وهي الحرة وهي أرض ذات حجارة سوداء نخرة كأنها حرقت بنار وأراد بهما هنا حرتان يكتنفانها ‏(‏لا يقطع عضاهها‏)‏ بكسر العين المهملة وتخفيف الضاد المعجمة جمع عضاهة شجرة أم غيلان أو كل شجر له شوك ‏(‏ولا يضاد صيدها‏)‏ في أبي داود ولا ينفر صيدها أي لا يزعج فإتلافه أولى لكن لا يضمن صيد المدينة ولا نباتها لأن حرمها غير محل للنسك-وللمدينة لابتان شرقية وغربية فحرمها ما بينهما عرضاً وما بين جبليها طولاً وهما عير وثور-

- ‏(‏م‏)‏ في الحج ‏(‏عن جابر‏)‏ ولم يخرجه البخاري‏.‏

2160 - ‏(‏إن إبراهيم ابني‏)‏ من مارية القبطية ولدته في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة قال ابن الكمال‏:‏ هذا ليس بإخبار عن مفهومه اللغوي لأنه خال عن فائدة الخبر ولازمها بل عن مفهومه العقلي نظير أنها لابنة أبي بكر وقال الأكمل نزل المخاطبين العالمين بكونه ابنه منزلة المنكر الجاهل وهو الذي يسميه البيانيون تجاهل العارف لنكتة هي التلويح بأن إبراهيم ابن ذلك النبي الهادي جزء منه فلذلك تميز على غيره بما سيذكر ‏(‏وإنه مات في الثدي‏)‏ أي في سن رضاع الثدي وهو ابن ستة عشر شهراً أو ثمانية عشر قال القرطبي‏:‏ هذا القول أخرجه فرط الشفقة والرحمة والحزن ‏(‏وإن له ظئرين‏)‏ بكسر الظاء مهموراً أي مرضعتين -أي من الحور قال في المصباح الظئر بهمزة ساكنة ويجوز تخفيفها الناقة تعطف على غير ولدها ومنه قيل للمرأة الأجنبية تحضن ولد غيرها ظئر وللرجل الحاضن ظئر أيضاً- ‏(‏يكملان رضاعه في الجنة‏)‏ بتمام سنتين لمونه مات قبل كمال جسمانيته وأكد الظئرين بإن واللام تنزيلاً للمخاطب منزلة المنكر أو الشاك لكون الظئر بعد المفارقة مظنة الإنكار لمخالفة العادة وقدم الظرف إشارة إلى أنه حكم خاص بولده لا بمن ولا يكون لغيره وجعل القائم بخدمة الرضاع متعدداً إيماء لكمال العناية بكماله فإن الولد المعتنى به له ظئر ليلاً وظئر نهاراً والأقوم أن رضاعه في النشأة الجنانية ‏[‏ص 407‏]‏ بأن أعقب موته دخوله الجنة وتمام رضاعه باثنين من الحور أو غيرهن ومن زعم أنه في البرزخ وأنه أودع هيئة يقتدر بها على الارتضاع فيه فقد أبعد كل البعد وقد عسر على بعض الخوض في هذا المقام فجعله من المتشابه الذي اختص بعلمه العلام قال بعضهم وهذا يدل على أن حكم إبراهيم حكم الشهيد فإنه تعالى أجرى عليه رزقه بعد موته كما أجراه على الشهيد حيث قال ‏{‏أحياء عند ربهم يرزقون‏}‏ قال القرطبي‏:‏ وعليه فمن مات من صغار المسلمين بسبب من أسباب الشهادة السبعة كان شهيداً ويلحق بالشهداء الكبار وإن لم يبلغ سنهم ولا كلف تكليفهم قال فمن قتل من الصغار في الحرب حكمه حكم الكبير ولا يغسل ولا يصلى عليه وفيه أنه سبحانه وتعالى يكمل لأهل السعادة بعد موتهم النقص الكائن في الدنيا حتى إن طالب العلم أو القارىء إذا مات كمل له حصوله بعد موته ذكره ابن القيم وغيره‏.‏

- ‏(‏حم م عن أنس‏)‏ قال ما رأيت أحداً رحم بالعيال من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إبراهيم مسترضعاً في العوالي فينطلق ونحن معه فيدخل البيت وإنه ليدخل فيأخذه فيقبله ثم يرجع فلما مات ذكره

2161 - ‏(‏إن أبغض الخلق إلى اللّه العالم‏)‏ الذي ‏(‏يزور العمال‏)‏ عمال السلطان الذين يعملون ما لا يحل لأن زيارتهم توجب مداهنتهم والتشبه بهم والانحلال إلى بيع الدين بالدنيا ولما خالط الزهري السلاطين كتب إليه بعض الصالحين عافاك اللّه قد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يرحمك ويدعو لك وأيسر ما ارتكبت وأخف ما احتملت أنك أنست وحشة الظالم وسهلت سبيل الغي بدنوك منه، اتخذوك قطباً يدور عليك رحا باطلهم وجسراً يعبرون عليك إلى بلائهم وسلماً يصعدون فيك إلى ضلالهم يدخلون بك الشك على العلماء ويقودون بك قلوب الجهلاء فما أيسر ما عمروا عليك في جنب ما خربوا عليك فدا ودينك فقد دخله سقم ولا يخفى على اللّه من شيء والسلام، وقال حكيم‏:‏ الذئاب على العذرة أحسن من عالم على أبواب هؤلاء‏.‏